Sunday, August 7, 2016

ثمان ساعات تبحث عن معنى 2/2

ما كان عندي أدنى شك أن قرار المدير كان خاطئا عندما وافق على إجازات كل هؤلاء المهندسين بعد عطلة العيد. يبدو أن ما كنت أواسي به نفسي حينها أنها فرصة لي لأُعرف بين الموجودين، فرصة لأثبت لهم أني أهل للثقة.
لكن تظل بعض الخطوات والقرارات صعبة فكنت أأجل ما يؤجل منها إلى حين عودت ذوي الخبرة. كنت أنتظر وكم أكره الإنتظار!
بدأت ساعاتي الثمان تفقد معناها...
الإنتظار يسرق لذة الحاضر ويضع آمال للمستقبل قد لا تكون كما نتصور فنحبط!

لحسن حظي ما طال إنتظاري ! رن الهاتف وإذا به زميلي ومعلمي النيوزيلندي يكلمني من نيوزيلندا ! لمست في أسئلته الإهتمام الجاد بأحوال الدائرة الإنتاجية وحرصه على مساعدتي في وقت إجازته!
نعم أنا كنت أحتاج المساعدة في بعض الأمور التقنية! ولكني أيضاً كنت محتاجاً إلى مساعدة معنوية والتي لمستها في أسئلته وحرصه وتكريس جزء من إجازته لخدمة عمله; أحتاج لتقوية المعنى الذي أعطيته لساعاتيَ الثمان!
ذو ال 61 عاماً ما أثنته خدمته الطويلة أبداً عن أداء واجبه الوظيفي بل وأكثر. مخطئ إذا كنت تظن أن المال هو حافزه فأي مال سيجنيه من خلال مساعدته لي عبر الهاتف ؟! لن تحسب له ساعات عمل إضافية. 
هذا الرجل وجد معنىً في عمله، معنىً أسمى وأقوى من أن يحد بينهم إجازة أو بعد مسافة، أنا لا أظنه مثل الأشخاص الذين ينتظرون الخروج من العمل فور وصولهم له. أن يكون لعملك معنى يعني أن تجد اللذة فيه وتبدع.
قد يكون كلا الصنفين يؤدي واجبه وعمله ولكن هذا "المعنى" الذي نتحدث عنه يحدث فرقاً لا أظن أن بإمكاني وصفه بشكل أجمل وأبلغ من وصف الرياضيات له :

وزميلنا هذا ليس من كوكب آخر وليس الوحيد من نوعه الذي أعرفه. أنا دائماً ما أتذكر صاحبي طالب الطب الذي يحلم بقضاء أكثر من 12 ساعة في غرفة العمليات.
قد يكون وجود المعنى في بعض الوظائف أسهل بكثير من غيرها كالمعلم و الطبيب، لكن المعنى موجود في أي وظيفة كانت! فقط عليك أن ترى ما قد يقويك على العمل ويعطيك اللذة فيه.
بإمكانك أن ترى نفسك جزء من نجاح المؤسسة، المؤسسة التي تعول عليها كثير من الأسر وأن تؤمن أن لو بذل كل فرد من أفراد المؤسسة أقصى ما عنده لنجحت المؤسسة وبالتالي تتوسع ويزيد العاملين فيها والأسر المحتاجة لها.
بإمكانك أن ترى في إخلاصك في العمل فرصة لكسب قلوب زملائك، فما أجل من أن تحل بمكان وترحل عنه فلا يتذكرون منك سوا كل جميل ومحمود. أنا في عملي هذا أستطيع أن أسمي بضع أشخاص غادروا قبل إلتحاقي بالإدارة ولكن خلدهم إخلاصهم في العمل وجهودهم المتميزة.
بإمكانك أن ترى المعنى في إحساسك بالملكية والمسؤولية، أو بتطوير وكسب خبرة، أو برغبة في حفر إسمك وسيرتك العطرة في قلوب زملائك.
جرب واستكشف ومن ثم إختر.
جرب أن تفكر في زملائك كزبائن لدكانك الخاص وعملك وإخلاصك هو لتحسين سمعة هذا الدكان أو العلامة التجارية الخاصة بك كما يحلو للبعض تسميته.
كنا ندرس وغلب على دراستنا الطابع الفردي وكنا نرى المعنى في تطوير النفس، الآن أرى أن فرصة الحصول على معنى وتقويته باتت أكبر بوجود الفريق ومع إختلاف الثقافات والعادات والإحتياجات بين أعضاء الفريق.
لو أن أحداً من الفريق ضيع معناه لربما ضاع الفريق أو على الأقل خسر شيئاً ولو بسيطاً.
فكر في سترابكس مثلاً !
رغم ثمنه المرتفع نسبياً إلا أنه مقصد الكثيرين وما أصبح هكذا إلا بالعمل الجماعي.
ماذا لو تخاذل عامل النظافة مثلاً في أداء وظيفته؟
أو ماذا لو لم تهتم الإدارة في توظيف الناس المبتسمة ولم تهتم في تدريبهم؟
ماذا لو لم تصلنا التجربة الشخصية التي نعيشها كلما ذهبنا بنسيانهم لكتابة أسماءنا على الأكواب أو بتشغيلهم لموسيقى صاخبة ؟
لو كره واحد من الطاقم عمله... لتغيرت التجربة للكثيرين.
بلى معنى لساعاتك الثمان، أنت فاقد للذة ثلث يومك وكالميت !