Friday, January 27, 2017

إصلاح ما أفسده الدهر

في المرحلة الثانوية، أي قبل حوالي التسع سنين... كنت أشعر بالخجل من نفسي تجاه حسن!

حسن كان أحد زملائي في المدرسة، حسن كان شخصاً طيباً خلوقاً ملؤه التفاؤل والبهجة. دائماً ما تراه يسير والإبتسامة مرسومة على محياه مستقلاً بها عن ضغوطات الدراسة أو أي ظرف خارجي. كانت فعلاً إبتسامته لا تنمحي، حسن كان "يتحلطم" مبتسماً!
كانت طيبته وبهجته معي ورغبته في صداقتي وقضاء وقت معي خارج سور المدرسة دائماً ما يقابل بالصد والرد !!! لم أكن قادراً على تقبله ! " ما كان ينبلع"
وللأسف ليس لدي ما يدعم رأيي فيه، ولم أرى في نفسي أساساً لهذا الرأي! كانت فقط حجج أبرر بها موقفي تجاهه " أسلوبه في الحديث، ثرثرته، فلسفته..." أو أحياناً أصبح أكثر واقعية فأقول " الخطأ مني ولكن أنا هكذا، وليس بإمكاني تغيير طبيعتي"
ومع هذا لم يتغير حسن، حتى أصبحت أشعر بالخجل من نفسي وصار لازم التغيير!

أصبحت أنا أبادر، أنا من يبدي رغبته في الطلعات والنزهات خارج المدرسة، ولا أخفيكم كم كان الأمر صعباً في البداية! أذكر بأني قلت لنفسي في أول مرة " ليش تعذب روحك" ولكني مباشرةً أخرست هذا الصوت بداخلي وتصنعت السعادة!
أنا تظاهرت بسعادة غير حقيقية ، ومع الوقت... أحدهم صدق سعادتي وبدأت له حقيقية، إنه عقليَ الباطن! فأصبحت فعلاً سعيد.

كم أنت بريء وساذج يا عقليَ الباطن


---------------------------------------------

أنا لا أتذكر كيف كانت نشأت الكثير من علاقات الصداقة في حياتي وكيف كان التحول من "شخص ما" إلى "صديق". أظن أحياناً أن هذا التحول هو قرار العقل الباطن أو اللاواعي، حيث يتخذه بناءً على مواقف ولحظات ومدة زمنية معينة نقضيها سوية. الأمر جداً عجيب فهو في العادة لا يحتاج لجلسة مراجعة للسيرة الذاتية أوالمواقف التي جمعت بينكم، هذا التحول يحدث بكل سلاسة. وتصاب بالذهول أحياناً عندما تفكر في الأمر "كيف كنا أنا وفلان وأين أصبحنا".
والصداقات "المباغتة" هذه منها ما يعود عليك بالنفع في دينك ودنياك ومنها الركيك الذي يجلب لك الهم والغم...


ومثل هذه الصداقات التي بنيت دون إحساسك وشعورك بها،،، فلقد بنيت فيك الكثير من الصفات والسلوكيات والعادات منذ صغرك دون إي إدارة منك لما يبنى فيك. ولا يخفى عليك أن السنين الأولى لها الوزن الأكبر! فالسنة الواحدة لطفل عمره ستة سنين تعادل ال17% من عمره بينما تعادل فقط 4% من عمر البالغ 25 سنة!
نحن نعرف هذا جيداً ويا ليتنا ما عرفناه أبداً، فأصبحنا لا نلوم أنفسنا، بل نلوم الماضي لنشعر بأن لا ذنب لنا. "عاداتنا وسلوكياتنا الخاطئة تكونت منذ صغرنا فالبيئة التي نشأنا فيها هي المسؤولة، وليس بذنبي أني غير مكترث بالتحصيل العلمي مثلاً فأهلي لم يربوني على ذلك من الصغر، أنا متعود على الدلال والإسترخاء وليس لدي حيلة تجاه هذا الأمر... هكذا أنا".
وللأسف يأتي الشاعر ويزيد قناعتنا هذه فيقول:




فأجاب والدُها : لقد كَـبُرَتْ وطالَ بها العمرْ

ومن العسيرِ صَلاحُها فاتَ الأوانُ ولا مفرْ

قدْ ينفع الإصلاحُ والتهذيبُ في عهدِ الصِغَرْ

والنشء إِنْ أهْـمَـلْـتَـهُ طِفْلاً تَعَثَرَّ في الكِـبَـرْ


أنا مذ وقفت أتأمل في مراحل صداقتي مع حسن... أدركت أن هذا خطأ، وإن إستسلامنا لحالنا ولأخطائنا وإلقاء اللوم على الآخرين ليس إلا ضغف وكسل! فكل شيء فيني بإمكانه أن يتغير بثلاثة عناصر رئيسية:

1- الإرادة /
أنا أردت أن أغير حالي مع حسن فكنت مبادراً راغباً في إحداث التغيير
2- التظاهر (إيهام النفس)/  
كنت أردد على نفسي أني سعيد مستمتع بوقتي وكان عقلي الباطن مصغٍ لي جيداً
3- الوقت/
فالتغير لا يحدث في يومٍ وليلة


وعناصر التغيير هذه لا تقتصر على الصداقات فقط، فمنذ إدراكي للكيفية وأنا أطبقها على الهوايات مثلاً فأحبب نفسي بما فيه فائدة لي. وأصبحت أكثراً تفاؤلاً وقناعةً لمعرفتي بأني لن أقف مكسوراً بعد تلقي صفعات الدنيا، سأتظاهر بأني بخير حتى أكون فعلاً بخير. ولم يقتصر الأمر على هذا فقط، بل بدأت في تغيير الكثير من القناعات الشخصية التي أجدها محفورة في شخصيتي، حتى أني لم أتردد في تغيير تعريفي للجمال وابعاده عن معناه السطحي ! أحس أن فعلاً بإمكاني السيطرة على المشاعر بداخلي وتسييرها كيفما أريد.
وغيرت من نظرتي لبعض تصرفات المجتمع الخاطئة أو على الأقل شعوري تجاهها فأجعلها طبيعية لأعيش سعيداً مرتاحاً. الأمر ليس بالضرورة شيء إيجابي... ولكن لم أضايق نفسي في نقد شيء ليس بإمكاني تغييره.
أغير ولكن بعقل! فالتصرفات القبيحة كالاسراف وحب المظاهر وغيرها لا ينبغي جعلها طبيعية أبداً


عقلك الباطن أو اللاواعي كما يقولون.. هو فعلاً لا يعي إن كنت جاداً فيما تمليه عليه أو كاذباً متظاهراً... فتراه أول من يصدقك شرط أن تستمر!
فإن كنت غير محب للعلوم مثلاً فتظاهر بحبها واملي حبها على نفسك وستحبها قبل ان تدرك ، وان كنت في محنة كبيرة مؤلمة فتظاهر بأنك سعيد غير متألم لترى أن عقلك الباطن سيجعل منها أمراً تافهاً

 أما أدمغتنا فليس صحيحاً ما يقولوه بأنها تتوقف عن النمو بعد عمرٍ محدد.. هي أيضاً تتغير وتنمو في الإتجاه الجديد الذي نرسمه لها وهذا ما اكتشفه العلم الحديث مؤخراً وتحدثت عنه البروفيسوره Lara Boyd في TEDx .


فخلاصة الكلام أن الإصلاح الذي تتمناه ممكن إذا أنت أردت ذلك وأمليته على نفسك وصبرت قليلاً حتى تراه يصبح واقعاً.