Thursday, October 1, 2015

إحسبها صح قبل أن تحب!

كان مقبلاً على الموت مستبسلاً شجاعاً، كان راضياً بحكم الملك عليه بالإعدام. بل رأى الإعدام وساماً يُفتخر به وذكرى تخلد في صفحات التاريخ. أموت وأنا أرفض الظلم وأقول الصدق خير لي من حياة الجبناء. 
ما استفادوا من نُصحه بأن يتوقف عن عناده ويبايع الملك ليعيش، ضحك في وجوههم قائلاً: هل تحسبون أني سأستغني عن كرامتي مقابل بضع سنين...وكيف ستكون هذه السنين؟ 
ظل معانداً ولكن سرعان ما لان عندما ذكروه بأهله; ببناته وأولاده وزوجته، كيف ستكون حال أسرة الخارج عن ولي أمره الخائن لدولته. "إن الملك وعد بأن يغفر لك إذا اعترفت بذنبك وطلبت عفوه". هم صاحبنا أن يضع مبادئه جانباً وأن يطلب صفح الملك ومما لا ريب فيه أن فعلته هذه ليست من أجل نفسه بل من أجلهم، من أجل من يحبهم! 
وحين حان وقت المحاكمة، إعترف بذنبه طالباً صفح الملك... ولكن أي وفاء بالعهد تنتظر من ملك لا يخاف ربه. مات صاحبنا كخائن أمام الناس، فما بقيت له كرامة عندهم ولا هو بقى من أجل من يحبهم. 

إن سألتموني... سأخبركم أنها ضريبة الحب، كم آلمه عندما ذكروه بأهله! كم تمنى أن لا عيال له ولا زوجة! هم من كانو سبب ضعفه ومن هدوا جبال صموده وعزيمته.

الحب كما حاولوا أن يوصلوا لنا... هو سر السعادة، حثونا على الحب بدون قيود أو شروط... "أحبب فيغدو الكوخ قصراً نيرا". أحبب... ذكروها لنا مطلقة، وكأن كل حب يملك شيئاً من السحر الذي بإمكانه قلب حياتك وتحويل كوخك الصغير إلى قصر منير. 

 

أتساءل عن حديثهم بكل هذه الثقة والتفاؤل، هل هذا فعلاً ما وجدوه في الحب ؟! أم أن لذته المؤقتة وحماسهم إليه قد أعماهم عن رؤية الحقيقة أو الصورة كاملةً.

أنا هنا أنوه أن حديثي لا ينحصر على الإنجذاب بين الرجال والنساء... بل يشمل حُب كل ما يُحَب من عاقل أو غير عاقل.

أن تحب يعني أن تفتح على نفسك جبهات بعدد من تحب; جبهات قد يغزوك منها الألم والحزن دون أي إنذار. قد تظنون إني أنا ابن الثلاثة والعشرين ربيعاً كغيري ممن هم في عمري أو في سن المراهق نال منه فراغه العاطفي فأخذ يتخبط في متاهات الحب ويرثي حاله لهجران حبيبه له. لا! ما أعنيه يشمل هذا ولكن لا ينحصر عليه... وإن وقفنا لحظة لتأمل هذا النوع لوجدنا أنه كالوباء الذي انتشر بين شبابنا وخلف فيهم الكآبة والجراح. "آه... هذا الحب مؤلم، ينبغي لي أن أعثر على غيره لأنساه".. لسان حال الكثيرين منهم. وبالفعل! إلى تخبطٍ آخر ينسيهم مأساستهم الأولى ليس لأنه الهدف المنشود،، بل لأنه يحل مكانها.
"عندما لا تستطيع أن تنسى مشكلة افعل مشكلة لاغيرها" وهكذا دواليك حتى يشيب رأسك وتزهق روحك وتصبح " زومبي"

 
 
أنا يا عالم الدين اشتد عودي مصغياً لخطبك معتبراً لما لديك من مواعظٍ وعبر ومعجباً بحسن إلقائك. ولأن قلبي حينها لم يعرف لغة سواها، ولأن قلبي حينها كان بسيطاً ... أراد هو الآخر حصته! ما استطاع أن يصمد دون حراك وهو يرى أن عيني برؤياك قرت ومسامعي لحديثك طابت. "خذ... هذه لك أيها العالم، إنها أكبر حجراتي ... دون مقابل، يكفي أنك أنت ووجودك فيها حياة فوق حياة". هل حسبتها صح أيها القلب قبل أن تهبه نفسك؟.... قلبي ما يحسب، ولا أخاله المحب الوحيد لهذا العالم ففي هذا الجمع الغفير الكثير ممن هم يحبونه، ولعل أحدهم حسبها صح...
 
وبسناريوهات شبيهة لهذا وبكل بساطة وعفوية أحببنا بلا ضوابط... أحببنا الصديق، القريب، المعلم، الزميل، الدكتور... أحببنا -وما زلنا نحب- بشكل كبير... والأمر مع مرور الوقت يصير أسهل، أحياناً صرنا نحتاج وقت أقل وأحياناً أخرى يسبق القلب باقي الحواس في حبه، بمعنى أن حديث الناس يكفينا لنحب شخص ما... دون أن نراه أو نسمع حديثه.
 
ولا أخفيكم، كم كان جميلاً... فعلاً كان هو الحب السحري الذي تحدث عنه الشاعر، هو الحب الذي يحيي القلوب، أنا أحب إذاً أنا سعيد، أنا أحب إذاً أنا أعيش، أنا أحب إذا أنا محصن من الإكتئاب من الوحدة من البؤس وباقي السموم النفسية.
 
وكنت أيضاً كأي ولد في عمري،، مهووساً عاشقاً لتلك الفكرة.. فكرة أن أكبر،، فكرة أن أتقدم في العمر،، فكرة أن أتحمل المسؤولية، فكرة أن أعطي. "إن الحياة حبتك كل كنوزها *** لا تبخلن على الحياة ببعض ما"
 
وعند وصولي لتلك المرحلة التي أحببتها صغيراً ... كانت أول خيانة! نعم... مرحلة تحمل المسؤولية  ما كانت مثل ما توقعت أنا ولا مثل ما توقع أي طفل في عمري، كانت أكبر صدمة لنا جميعاً، أليس كذلك ؟؟ ألم تكن الحياة أجمل عندما كنا صغاراً؟
نعم هي ما بادلتني الحب والشوق... لكن لا يهم، أنا لا أشترط أن يحبني من أحبه فأنا يحييني قلبي وليست قلوب الناس، لطالما كنت أقول مازحاً "حبي أنا يكفينا نحن الإثنان". لا يهم، أنا سأمتص الصدمة.. قد يستغرق الأمر شهوراً بل سنوات، ولكني سأجتازها في نهاية الأمر.
 
إذاً أين كانت الخيانة !! كانت عندما استُعمِلَت دروعي ضدي، عندما تحولت حيطاني العالية وخنادقي الغزيرة إلى جبهات مفتوحة علي... أقصد عندما انقلب حبي علي بعدد قريب لعدد من أحببت.
 
أن تكبر يعني أن تستقل فكرياً، يعني أن لا تصدق كل ما يقال، يعني أن تكتشف أن الحياة صعبة، يعني أن تحاتي وتخطط للمستقبل، ويعني أيضاً أن تكون حذراً.
 
تذكرون عالم الدين... "كبرت وصرت أراه يتخبط! يكفي تخبطاً ؟! ماذا دهاك؟! توقف من أجلي أنا وليس من أجلك؟!".
وما دخلي أنا؟ أنا دخلي إني صرت أكترث ولا أعرف كيف أتوقف عن الإكتراث! "أنا أحاول أن أختلق الأعذار لتخبطك ولكني بدأت أعجز" إنقلب الحب وصار يؤلم.
 
لماذا تكترث لغيرك؟ لماذا تؤلمك أفعال غيرك؟ .... لا تستعجب! الإجابة لدى كل شخص يحب... الأم تحاتي أبناءها، والأب كذلك، والمعلم المخلص يحاتي طلابه. إن سألتهم عن السبب... إجابتهم هي/ لأننا نحبهم. أنا المغلوب على أمره مثلهم ولكن إتسعت قائمتي للكثيرين وها أنا أدفع الضريبة.
 
صغيراً... كنت أرى المستقبل مشرقاً للجميع، أما كبيراً فهو ليس كذلك على الإطلاق. أتألم... لكل صديق لم ينجح، لكل صديق لم يذاكر، لكل صديق يتخبط، لكل صديق يبحث عن وظيفة، لكل صديق أبعدته الحياة، لكل صديق غيرته الحياة، لألم كل منهم. لا أخفيكم، أتساءل أحياناً هل سأكون أسعد لو لم أكن أعرفهم! ولكن، ما حال هؤلاء الذين يتغنون بالحب ويحثون إليه ؟؟ هل كان حديثهم هذا وهم صغار لا يعرفون الدنيا! أم أن لهم مآسي تغنيهم عن مآسي من يحبون! أم إنهم جداً حذرون في إختيار المثاليين فقط ليحبوهم!

يبدو أن أفضل خيار لي هو التفاؤل... فالحياة مؤقتة قصيرة
 
ويقول المسكين الشاعر اللي أحسه عارف هالقصة من زمان:
 
يا سالب القلب منـي عندما رمقـا***لم يبق حبـك لي صبـرا ولا رمقـا
لا تسأل اليوم عما كابدت كبـدي*** ليت الفراق وليت الحب ما خلقا
ما باختياري ذقت الحب ثانية*** ولكن شاءت الأقدار فاتفقا
وكنت في كلف الداعي إلى تلفي *** مثل الفراش أحب النار فاحترقا
يا من تجلى إلى سري فصيرني دكا***وهز فؤادي عندما صعقا
انظر إلى النفس فإن النفس قد تلفت ***رفقاً على الروح إن الروح قد زهقا

4 comments:

  1. This comment has been removed by the author.

    ReplyDelete
  2. موضوع جميل
    مجرد خواطر وافكار ولكنه يمتع القارئ ... احسنت

    ReplyDelete
  3. أحسست بأنفاسك بين حروفك وكلماتك لكني ارى البطل هو الحلقه الأضعف فقد استسلم بسرعه امام الملك وطالب حبيبه بأن يدافع عن حبه وحيدا لانه لايملك الشجاعه لفعل هذا...قصه جميله ولكن أعد صياغتها بحيث نستمتع بقراءة نضال المحبين وجعل البطل هو من يقود القصه وليس الحلقه الأضعف من ينتظر من الناس القياده

    ReplyDelete
    Replies
    1. القصة هذه إستعملتها كجسر ومنفذ لموضوعي ... فكانت يجب أن تكون بهذه المرارة لكي تتناسب مع الرسالة اللي أبغى أوصلها وهي أن الحب ضعف.
      القصة هذه هي جزء قصير جداً لخصته أنا من رواية قرأتها
      أتمنى أن موضوعي نال على إعجابك ...
      ألف شكر على مرورك الجميل.عن جد أسعدني..
      ويراودني الفضول حيال هويتك،، يا كثر "حسن علي" اللي أعرفهم.. فأيهم أنت ؟

      Delete