Wednesday, September 21, 2016

لا تهمل روح الهارامبي بداخلك

مع متطلبات الحياة الصعبة ومشاغلها إلا أني أحرص أن أكون مرتبطاً بالعالم من خلال قراءتي للأخبار اليومية في شتى المجالات. أريد أن يكون لوقتي القصير الذي أقضيه في هذه القراءة أثر أو حتى فائدة فإن لم يكن لها ذلك فهو وقت مهدور. فأحاول أن أشارك الناس ما قرأت أو أحياناً يقتصر دوري على التعاطف اللحظي ليس أكثر.
كثيرة هي الأخبار التي فعلاً لا تود سماعها ولكن ينبغي عليك ذلك فهي وإن كانت بعيدة جغرافياً عنا إلا أنها صورة أخرى أو تجسيد أوضح لواقعنا المرير. فإن لم تصلك هذه القصة وتتعاطف معها وتدرك أبعادها فمن الممكن أن تأتيك بشكل آخرعلى حين غفلة منك وبغير إدراكٍ أن ما تمر به هو أمر طبيعي بإمكانك تجاوزه كما تجاوزه الكثيرون من قبلك فتكون عرضة لكثير من الألم الذي لم تحصن نفسك ضده. هكذا هي سنة الحياة شئنا أم أبينا ... دوام الحال فيها من المحال، ويوم لك وألف عليك، "لا يستمر الظل إلا في المحال".
ومثل ما قال الشاعر:
لكل شيء اذا ما تم نقصان ***فلا يغر بطيب العيش انسان
هي الامور كما شاهدتها دول *** من سره زمن ساءته ازمان
وهذه الدار لا تبقي على أحد ***ولا يدوم على حال لها شان

ما زال في ذهني ذلك الخبر الحزين الذي مررت عليه قبل ثلاثة شهور ونص تقريباً. الخبر الذي جسد بكل دقة اللا عدل والظلم في الدنيا. ليس عليك أن تذنب أو تخطئ لتتأذى. قد يكون ما جاءك هو لا مبالاة أو خطأ أحدهم. أو سوء تخطيط أو قصر في فهم نواياك. أعني قصة الغوريلا "هارامبي". إي نعم غوريلا. أنا ما أعرف إذا كانت حياة الحيوانات تعني لك شيئاً. أنا عن نفسي أرى أنها روح قد أزهقت دون حق، وأرى أيضاً أنها قصة بامكاننا استخلاص الدروس والعبر منها.
هارامبي دفع حياته ثمناً لأخطاء غيره. أخطأت الأم عندما أهملت ابنها الصغير ذي الثلاثة أعوام، الحواجز الموضوعة لمنع الزوار من التسلل للحوض فشلت في منع الطفل من السقوط وهذا خطأ من وضعها، ومن ثم أخطأ من فسر نوايا هارامبي، وأخطأ من اتخذ القرار ومن نفذه. أخطاؤهم واهمالهم دفع ثمنها غيرهم وكأن ليس لهارامبي قلب ينبض.

هارامبي بالطبع ليس الأول ولن يكون الأخير. يكاد أن لا يمر يوم دون أن نسمع عن ضحايا جدد أبرياء بغض النظر عن موقعهم الجغرافي وديانتهم، فهدر الروح البريئة مهما كانت شيء محزن. ويبدو أن كثيراً ما تكون للسياسة القذرة دور في ذلك، وأحياناً يحل محلها الجشع والطمع.
ويبدو إني قرأت الكثير عن الحادثة... قرأت وجهات نظر كثيرة وشغلت بالي لفترة فأصبحت فعلاً أراها من بعد آخر وأرى بأنها ليست بالشيء الجديد إن أمعنت النظر.
ليس مستبعداً أنه مر عليك موقف ما في حياتك أصبحت فيه محل هارامبي، تأذيت من شخص ليس من سماته الظلم ولم تؤذه أنت في شيء.
 وليس مستبعداً أبداً أنك كنت محل من أخطأ تجاه هارامبي. لست بظالم ولم تقصد الظلم، ولكنك أخطأت واخترت غاية الخلاص من تبعات الخطأ دون الإكتراث في نوعية الوسيلة وتبعاتها على غيرك.

كثيرأ ما نرى بشراً ينسون أننا بشر مثلهم، وكثيراً ما ننسى نحن ذلك. 
------------------------

لا أعرف متى بالضبط تعلمت وصرت أستعمل كلمة "تعاطف"... ولكني أظن أن الأمر كان في سنيني الأولى... ما إن أرى شخصاً في حالة سيئة أو مر بموقف لا يحسد عليه ...أستعمل هذه الكلمة لأصف شعوري بالأسى ليس أكثر "أنا متعاطف مع هذا الشخص" وأظن بشعوري بالأسى أنني قدمت واجبي كإنساس لإنسان آخر باستخدام أحد أسس الإنسانية. برأيكم هل يكفي هذا ؟
هذا في الأساس ليس تعاطفاً ولا يكفي أيضاً لمعرفة حجم النعمة التي أنا فيها وشكر الله عليها. كنت أحاول أن أوهم نفسي بأني شخص ذو قلب حنون يكترث للآخرين...
ويبدو إني تعلمت المعنى الصحيح للكلمة عندما تعلمت بديل الكلمة باللغة الإنجليزية (sympathy).  أدركت وقتها أني لم أكن أعي معناها الحقيقي بلغتي الأم; المعنى الجديد للكلمة كان فعلاً أقرب للقلب،أدعى للين القلب، أدعى لمعرفة حجم نعم الله علينا وشكره عليها، كما أنه أيضاً أدعى للتأثر ومآزرة الشخص المنكوب. ما احتجت الكثير من الوقت لأميز أنه المعنى الحقيقي... كان واضحاً جداً.

علموني أن التعاطف ليس بالقول فقط، إنما هي ممارسة تحتاج قلباً أبيض كبير. لتتعاطف مع أحد لابد أن تعيش لحظته، لابد أن تغمض عينيك وتنتقل بروحك إلى جسده وتمر بنفس الظرف الذي مر به فتتعرف أكثر على حجم ألمه، أو على العلة من اتخاذه قرار معين، أو على ظروفه. أن تتعاطف مع شخص هو أن تضع نفسك مكانه تماماً فيجري عليك ما يجري عليه.

أظن أن التعاطف السليم يزيد من تجاربك الشخصية وبالتالي يزيد من مقاومتك للظروف التي قد تمر بك. والأهم من هذا أن التعاطف السليم يزيد من إحساسك بغيرك فتفكر ألف مرة قبل أن تتخذ قراراً قد يرجع على أحد آخر بالأذي والضرر. التعاطف أسلوب حياة بعيد جد البعد عن الأنانية. إذا أنت تعاطفت فقد اكتسبت القدرة على النظر للأمور من جوانب عدة فتفهم آراء الناس وأسسها وتكون قادر على الوصول لهم وكسبهم.
ولو كانوا متعاطفين.. ولو ربوا أنفسهم على هذا... لما استعجلوا قبل إيذاء من لا ذنب له، لتمهلوا قليلاً محاولين أن يفهموا شعور هارامبي الذي لم يعتد على سقوط أحدهم في حوضه على سبيل المثال ولو نظروا للأمر من جانبه هو وليس من جانبهم وما تمليه عليهم مصالحهم. لو تعاطفوا  لتمهلوا وحاولوا بالتفكير بطريقة لا يؤذى فيها أحد.

لا تنسى أن كما لك قلب ينبض ويتألم... أن باقي الناس مثلك، ما اختاروا لأنفسهم الفقر ولم تختر لنفسك الغنى، ولم يختاروا لأنفسهم التعاسة بدل السعادة. فتهمل وفكر وانظر من منظارهم قبل أن تكون سبباً في إيذائهم. وإذا مارست التعاطف فلن تنسى باذن الله

أما إذا كنت الطرف المنكوب فاصبر ولا تعطي الأمر أكثر من حقه، إنها دنيا الزوال... يوم لك وألف عليك، وضع الوعد الإلهي بين عينيك "وبشر الصابرين". لست الوحيد المنكوب... كثير مروا بما مررت وتعدوه وأصبح الأمر في بعض الحالات يدعو للضحك. وكثير مروا بأكثر مما مررت به، فاحمد الله! والتعاطف - كما ذكرنا- سيزيد من قوتك

"هارامبي" هي كلمة أفريقية تعني التعاون والترابط... ما أجمل هاتين الكلمتين على الورق لكن موقعها الأجمل يكمن بداخلنا... لا تسمح لدنيا الزوال بتلويث روح الهارامبي داخلك واخراجها منك، فإن كان مكتوب عليها الخروج فلتخرج مثل خروج هارامبي... أي مرافِقة لروحك :)  


2 comments:

  1. كانت دقائق مسليه فترة قراءتي للمدونة ..
    خلاصة الموضوع جميلة
    وان كان الربط بين القصة و الفكرة المراد توصيلها
    ليس بالقوة الكافية ..
    بعض العبارات لم توفق باختيارها كونها تميل للعامية ..
    بغض النظر عن الفكرة و المظمون ..الاسلوب العام لمدوناتك
    جميل جدا و شيق !

    ReplyDelete